Translation option:
by هالة أبوشامة، خالد صديق، أوليفر كيروي، مصعب أحمد، بول دوروش
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، عانى ملايين الأشخاص في السودان من فقدان سبل العيش وتدمير البنية التحتية وتعطيل الخدمات الأساسية. ومع استمرار الحرب، يواجه السودان أكبر أزمة نزوح في العالم – مع نزوح 6.5 مليون نازح داخليا ودفع 1.7 مليون آخرين إلى الفرار للدول المجاورة –انعدام حاد في الأمن الغذائي، ارتفاع مستويات الفقر، وخسائر فادحة في الدخل والتوظيف والموارد الإنتاجية.
لتوفير منتدى لتبادل الشواهد البحثية والمعلومات حول هذا الوضع واستكشاف الخيارات المستقبلية للمضي قدما، نظم المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤتمرا بعنوان “استكشاف أبعاد النزاع في السودان“ في يوم 5 مارس في نيروبي، كينيا. وجمع المؤتمر مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك الدبلوماسيون، العلماء، خبراء التنمية والعون الإنساني، ممثلو المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وواضعو السياسات، والخبراء. ناقش الحضور رؤى من التقييمات الجزئية والكلية الشاملة، المسوحات الأسرية، والتدخلات البرامجية. وأولى الحضور اهتمام خاص بالأزمات المحورية مثل الأمن الغذائي، والدعم الإنساني (النقدي والعيني على حد سواء)، وتحديد وتنفيذ استراتيجيات لمعالجة آثار النزاع وتعزيز قدرة الشعب السوداني على الصمود.
بعد الافتتاح بواسطة بول دوروش (مدير وحدة استراتيجيات التنمية والحوكمة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية)، وثائر شريدة (الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان)، ولورين ستودارد (القائم بأعمال مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في السودان)، قال خالد صديق (زميل باحث أول في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وقائد برنامج دعم استراتيجية السودان) إن برنامج دعم استراتيجية السودان تمكن من مواصلة جمع البيانات وتقديم الدراسات التحليلية منذ اندلاع الحرب. من خلال الدراسات الاستقصائية عبر الاستطلاعات الهاتفية وغيرها من آليات جمع وتحليل البيانات وسيواصل سد الفجوة بين البحوث والتدخلات الإنسانية والتنموية. وأضاف إن مثل هذه الجهود البحثية مهمة جدا في صياغة التدخلات في الوقت المناسب وسد الفجوة بين البحث الأكاديمي والمبادرات العملية.
كريس دايليدر/المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
خالد صديق، قائد برنامج دعم استراتيجية السودان التابع للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، يتحدث عن آثار النزاع.
جلسة بحثية: تداعيات الصراع – من المستوى الجزئي إلى المستوى الكلي
وصفت هالة أبوشامة، مساعد باحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، النزوح والتدهور الاقتصادي والتحديات التي تواجهها شركات تصنيع وانتاج الأغذية. وفقا لمسح أجراه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، نزح 28٪ من المزارعين في السودان بسبب الصراع وأصبحت 53٪ من شركات تصنيع الأغذية لا تعمل. توقع نموذج المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية انخفاضا بنسبة 48 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول ديسمبر 2023 بسبب الصراع. استخدمت هذه الدراسات منهجيات مختلطة تجمع بين البيانات الكمية والنوعية من الشركات والمزارعين والمخبرين الرئيسيين والأسر، إلى جانب النماذج الاقتصادية الكلية وصور الأقمار الصناعية.
وقدم فيتو إنتيني، كبير الاقتصاديين الإقليميين لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجهات نظر جديدة حول رصد النشاط الاقتصادي في مناطق النزاع باستخدام منهجيات مبتكرة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية وتتبع انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الجو.
وفي خضم الانكماش الكبير في الإنتاج الزراعي، صار الأمن الغذائي مريعا، كما قال فريدريك سفينسون، مسؤول تحليل ورسم خرائط الضعف في برنامج الأغذية العالمي. وأظهر أن الأسر الريفية في السودان أكثر عرضة لمواجهة انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تقدر انخفاض المساحة المزروعة بنسبة 15٪ من متوسط الخمس سنوات الماضية، وانخفاض إنتاج الذرة الرفيعة بنسبة 24٪، وانخفاض إنتاج الدخن بنسبة 50٪.
الشكل 1: الاستهلاك غير الكافي للغذاء قبل وأثناء اندلاع الصراع
لمصدر: المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية
حلقة نقاش: التدخلات التنموية وتنفيذها في أوقات النزاع
ركزت جلسة النقاش هذه على موضوعات حرجة مثل أنظمة الإنذار المبكر، توزيع البذور، التحويلات النقدية والعينية، برامج الدعم الزراعي، ودمج الخدمات الصحية والتعليمية معا ضمن هياكل ومناهج الدعم القائمة في السودان، على خلفية الصراع المستمر. بإدارة كارين روف، كبير المستشارين الاقتصاديين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان، شملت الجلسة خبراء من بينهم آدم ياو، نائب ممثل منظمة الأغذية والزراعة في السودان. بيلي موينغا، ممثل برنامج الأغذية العالمي في السودان؛ سلوبودان تاديتش، منسق الأزمات الاول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ روبن فيلينجا، مدير الشراكات وتوزيع الموارد، اليونيسف؛ ومحمد عبد المؤمن، الممثل الاقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في السودان. استكشف المتحدثون الدور المحوري لكل من التحليلات التفصيلية على المستوى الجزئي والرؤى الشاملة على المستوى الكلي في إدارة الأزمات والمساعدات الإنسانية. وشددوا على الحاجة الحيوية إلى التنسيق والتعاون السلس بين مختلف المؤسسات والمنظمات لتعزيز فعالية الجهود الإنسانية.
جلسة بحثية: بناء الصلابة وآليات الدعم
المزارعون والمجتمعات المحلية في السودان في حاجة ماسة إلى استراتيجيات لمساعدتهم على الصمود في وجه مصاعب الصراع. ناقش أوليفر كيروي، زميل باحث بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، آثار الصدمات الناجمة عن النزاع على الأسر الريفية واستراتيجيات التكيف المختلفة والعوامل التي تعزز الصلابة، مما يمهد الطريق لاستكشاف متعمق لكيفية قدرة المجتمعات على تحمل الأزمات بشكل أفضل. أظهرت نتائج المسح أن أكثر من نصف سكان الريف في السودان قد تعرضوا للصدمات – خاصة المتعلقة بالنزاع – ومع ذلك لم تتلق معظم الأسر أي دعم بعد. وسلط يوسف شيتاني، منسق مشروع في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، الضوء على الاقتصاد السياسي لبناء الصلابة، موضحا كيف يلعب تطوير أنظمة الحوكمة دورا حاسما في تقييم وصياغة آليات قوية لمجابهة الصدمات. وشدد شيتاني على الحاجة الماسة إلى تدخلات وطنية ومحلية مصممة خصيصا لتتماشى مع الأهداف المجتمعية المشتركة، بهدف تعزيز الصلابة الجماعية خلال الأوقات العصيبة.
شارك بيلي موينغا من برنامج الغذاء العالمي رؤى حول العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام، وهو إطار محوري لأنشطة بناء الصلابة التي تناصرها منظمته في السودان منذ اندلاع النزاع. وأشار إلى أنه في هذا الإطار الزمني، وصلت المنظمة إلى 1.3 مليون شخص في 14 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان من خلال مبادرات لبناء الصلابة. بالإضافة إلى ذلك، في منطقة دارفور وحدها، دعم برنامج الغذاء العالمي 38,500 مستفيد بالمدخلات الزراعية والتدريب على سبل العيش، مما يدل على تأثير ملموس على أرض الواقع. وفي ختام الجلسة، قدم موسى سيامبي، الممثل الإقليمي لأفريقيا في المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح برنامج نهج النظم الزراعية والغذائية المستدامة للسودان الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وقال إن برنامج نهج النظم الزراعية والغذائية المستدامة للسودان يعمل على تمكين المزارعين من خلال الوصول إلى التكنولوجيا والمدخلات والتدريب المخصص أثناء الصراع، وعرض التدخلات الاستراتيجية للبرنامج في ولايات سودانية مختارة.
جلسة بحثية: الإنتاجية الزراعية، الوصول إلى الأسواق، والدعم الدولي
بحثت الجلسة البحثية الأخيرة الدور المحوري للأسواق والوصول إليها في ظل الصراع الدائر، مع التركيز على التحديات والفرص المتاحة للموردين والمستهلكين. قدم مصعب أحمد، مساعد باحث أول في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في السودان، معلومات عن عمل الأسواق والتسعير والتوظيف استنادا إلى الدراسات الاستقصائية على الصعيد الوطني التي تستهدف الأسر الريفية والمزارعين. وتظهر هذه البيانات العقبات الكبيرة التي واجهها المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر الريفية بسبب النزاع – بما في ذلك ارتفاع الأسعار وتضاؤل فرص الوصول إلى الأسواق، مما أعاق بشكل خاص استعداداتهم للموسم الزراعي. كانت هذه الاضطرابات في الاسواق واضحة بشكل خاص بين المزارعات والأسر التي تقودها النساء، مما أدى إلى تعقيدات كبيرة في سوق العمل وخسارة مذهلة في دخل 21٪ من الأسر الريفية كنتيجة مباشرة للصراع.
استكشف فيتو إنتيني من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التداعيات الإقليمية للصراع من خلال مجموعة متنوعة من الآليات التحليلية، بما في ذلك تقييم على مستوى الاقتصاد. وباستخدام إطار عالمي للنمذجة، فصل إنتيني الآثار السلبية للصراع على الدول المجاورة، متوقعا خسائر مالية تصل إلى 9.6 مليار دولار في عام 2023 و9.9 مليار دولار في عام 2024 للسودان وجنوب السودان وتشاد ومصر وإثيوبيا في إطار “سيناريو سلام” افتراضي. كما أشارت النتائج التي توصل إليها إلى تعاظم عدم المساواة في الدخل بعد الصراع، كما يتضح من زيادة مؤشر جيني من 52٪ إلى 56٪.
وقدم خالد صديق من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية نتائج نمذجة آثار الصراع على المؤشرات الاقتصادية والفقر وسوء التغذية، إلى جانب سيناريوهات لاستراتيجيات التعافي المحتملة للسودان. بدءا من تقديرات البنك الدولي المتحفظة حول التأثير الاقتصادي للحرب، أشار تحليل صديق إلى أنه بدون تدخل، يمكن أن يصيب الفقر ونقص التغذية ما يصل إلى 4 ملايين و2 مليون شخص، على التوالي، بحلول عام 2028. غير أن التدابير الرامية إلى استعادة الإنتاجية الزراعية إلى مستويات ما قبل الصراع يمكن أن تخفض هذه الأرقام إلى النصف. وعلاوة على ذلك، تبين أن استئناف المعونة الخارجية، الذي تجسد في تحويلات نقدية افتراضية قدرها 1 مليار دولار، يوفر إغاثة فورية إذا ما تم توزيعها على الأسر الفقيرة. وعلى النقيض من ذلك، فان استخدامها في إعادة بناء البنية التحتية المتضررة، وإن كانت أبطأ، الا انها توفر حل أكثر استدامة لإنعاش النمو الاقتصادي والتخفيف من حدة الفقر ونقص التغذية.
الشكل