Translation option:
أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى اضطراب الأسواق الزراعية، وخاصةً أسواق القمح، حيث شهدت ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 30 في المائة منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط. ويركز هذا المنشور على آثار الأزمة على اليمن، البلد الأكثر تأثرًا بالاضطرابات الحالية التي تشهدها السوق وسلاسل التوريد بسبب فقره والحرب الأهلية الدائرة فيه وزيادة اعتماده على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا.
عصفت الحرب الأهلية في اليمن بالبلاد منذ عام 2015، وتفاقم وضع الأمن الغذائي غير المستقر بالفعل بعد العواقب الوخيمة التي شهدها العالم مؤخرًا بسبب جائحة كوفيد-19. ووفقًا لإحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، يتجاوز مُعدل انتشار نقص التغذية في
اليمن 45 في المائة، ويعتمد أكثر من نصف السكان على أحد أنواع المساعدات الغذائية العينية.
وعلى غرار الوضع في مصر وغيرها من بُلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعتمد نسبة كبيرة من الشعب اليمني على منتجات القمح لاكتساب السعرات الحرارية، وتعتمد البلاد بشكلٍ كبيرٍ على الواردات – ومن ضمنها القمح والنفط – من روسيا وأوكرانيا، لذا تُهدد الحرب الروسية الأوكرانية بتفاقم معدلات نقص التغذية والاعتماد على المساعدات الخارجية من خلال زيادة تكلفة أهم المنتجات الغذائية ومنتجات الطاقة.
تعرض اليمن لزيادة كبيرة في أسعار القمح والطاقة
عُرف اليمن قديمًا عند الرومان باسم “الجزيرة العربية السعيدة” نظرًا لخصوبة أراضيه، وكانت البلاد قديمًا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في الزراعة، ولكن في السبعينيات، بدأت واردات القمح في الارتفاع نتيجة هجرة القوى العاملة في قطاع الزراعة إلى دول الخليج العربي المجاورة للاستفادة من ازدهار قطاع النفط، كما لعبت الزيادة السكانية السريعة دورًا في تفاقم هذا الوضع. ومن العوامل الأخرى التي أدت إلى زيادة الواردات؛ التركيز على الزراعة المروية التي تعتمد على ضخ المياه الجوفية واستخدامها بشكلٍ غير مستدام، وعدم توافر العمالة الكافية للحفاظ على المدرجات الزراعية التقليدية، وزيادة زراعة القات كسلعة تجارية.
وضاعفت الحرب الأهلية من تدهور حالة الاقتصاد الكلي: حيث شهدت الفترتان 2003-2005 و2018-2020 ارتفاع في إجمالي الواردات بأكثر من 85 في المائة، بينما انخفضت نسبة الصادرات بنحو 72 في المائة (رسم توضيحي 1). وتعادل القيمة الإجمالية للواردات حاليًا ستة أضعاف قيمة الصادرات، بل وتتجاوز الواردات الغذائية وحدها إجمالي نسبة الصادرات.
يعتمد اليمن اليوم اعتمادًا كبيرًا على التحويلات المالية والمساعدات الدولية لتكملة الدخل المحلي. وبينما يظل النفط الخام هو السلعة الأساسية التي يصدرها اليمن، إلا أن متوسط الإنفاق الحكومي على المنتجات الغذائية المستوردة والنفط المكرر وحدهما بلغ 3.5 مليار دولار – أي حوالي 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويؤدي ذلك بدوره إلى زيادة احتمالات التأثر بارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية. ومع الافتراض القائل بأن الزيادة في أسعار النفط الخام قد تُساعد في التخفيف من عواقب هذه المشكلة، فمن غير المؤكد أن تستفيد نسبة كبيرة من السكان من ذلك.
تقدر نسبة الاعتماد على استيراد الحبوب في اليمن حاليًا بنحو 97 في المائة (رسم توضيحي 2)، وتأتي الحصة الأكبر من واردات القمح ومنتجاته من روسيا وأوكرانيا (42 في المائة). ومن الجدير بالذكر أن بُلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مصدر 12 في المائة من واردات اليمن) تعيد تصدير الدقيق وغيره من المنتجات اخرى المصنعة من القمح من منتجات استوردتها من البحر الأسود. لذلك، فإن تعرض اليمن للأزمة الحالية يتجاوز وارداته المباشرة من روسيا وأوكرانيا.
الصراع الداخلي في اليمن
ما هي الآثار المحتملة على الأمن الغذائي، مع زيادة تأثير الصدمات الخارجية المتمثلة في ارتفاع الأسعار وتعطل إمدادات القمح والوقود على الظروف الداخلية الهشة بالفعل في اليمن؟
على الرغم من التحديات التي تواجهها البلاد بسبب الحرب الأهلية وصعوبة النقل، إلا أن أسواق المواد الغذائية لا تزال تعمل حاليًا بشكلٍ عام؛ ويرجع ذلك في حالة القمح إلى وجود شبكة قوية من صغار التجار، وبالتالي، فإن حصول الأسر اليمنية على الغذاء يُشكل تحديًا أساسيًا يتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف، وليس نقصًا في توافر السلع. ومع ذلك، أدت الظروف المتدهورة، بما في ذلك تدمير البنية التحتية منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2015، إلى إفقار العديد من اليمنيين، وارتفعت الأسعار، وازداد انعدام الأمن الغذائي (رسم توضيحي 3).
أدى الصراع إلى تقسيم البلاد إلى مناطق تسيطر على تدفقات السلع – وخاصةً الغذاء والوقود. (رسم توضيحي 3).
تؤدي أسعار الوقود المرتفعة بالفعل إلى تقييد تنقل الأسر اليمنية، وضعف قدرتها على الوصول إلى توصيلات المياه، والتجارة الداخلية، وسبل الري الزراعي؛ ومع ارتفاع أسعار الوقود في أعقاب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، تزداد الدلائل على تفاقم هذه المشكلات، وكذا زيادة انعدام الأمن الغذائي. يُنتج اليمن كمية لا بأس بها من النفط الخام، لكنه لا يمتلك الإمكانات اللازمة للتكرير، لذا فإنه يعتمد على استيراد البنزين والديزل. وفي الوقت نفسه، يخضع سوق الوقود لسيطرة القطاع الحكومي، وهناك نقص حاد في وفرة الوقود، ولكن الأمر يختلف في المناطق الخاضعة لسيطرة كل من الحكومة المعترف بها دوليًا وسلطة الأمر الواقع. وتشير التقديرات إلى أن تكاليف نقل الوقود وتوزيعه محليًا والضرائب ذات الصلة تمثل حوالي ثلاثة أرباع التكلفة التي يتحملها المستهلك في المناطق التي تسيطر عليها سلطة الأمر الواقع، وثلثي التكلفة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا.
ما أسباب الزيادة المحتملة في الطلب على القمح رغم زيادة أسعاره؟
وفي الوقت نفسه، يُعد ارتفاع أسعار القمح مأزقًا كبيرًا تقع فيه الأسر اليمنية التي ليس لديها سوى القليل من البدائل للحصول على ما يكفيها من السعرات الحرارية، نظرًا لانخفاض دخلها. تبين من أخر مسح لميزانيات الأسر المعيشية أُجري على المستوى الوطني باستخدام عينات تمثيلية (عام 2014 قبل اندلاع الحرب الأهلية مباشرة)، أن 41 في المائة من السكان لا يستهلكون سعرات حرارية كافية، وأن 71 في المائة من الأسر الفقيرة قد حصلت على إجمالي السعرات الحرارية التي تحتاجها من الحبوب الأساسية، ومنها القمح. ولكن حتى مع ارتفاع أسعار القمح وزيادة الإنفاق على الغذاء، فمن المرجح أن تكون الطريقة الأولى التي تستجيب بها الأسر اليمنية لهذا الوضع المتدهور هي الاستغناء عن السلع الغذائية باهظة الثمن، وزيادة الاعتماد على أرخص مصادر السعرات الحرارية – ولا سيما القمح المستورد. وغالبًا لن يتم حل هذه المشكلة بزيادة الإنتاج المحلي، والذي يعد منخفضًا للغاية مقارنةً بالاستهلاك؛ كما يواجه المزارعون قيودًا ناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود التي تجعل استخدام مضخات الديزل لري الأراضي الزراعية مشكلة، بالإضافة إلى نقص البنية التحتية الموجهة نحو إنتاج الحبوب.
دور الاستجابة الإنسانية
تلعب المساعدات الإنسانية دورًا رئيسًا في التخفيف من حدة آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من المشكلات التي تواجهها الأسر اليمنية. يأتي ما يقرب من 12 في المائة من واردات الحبوب في اليمن في شكل مساعدات غذائية إنسانية. وأفادت أكثر من 50 أسرة يمنية أنها تلقت نوعًا من المساعدات الغذائية العينية في عام 2020، وفقًا لبيانات المجمعة من المسوح المجراة عبد الهاتف. وتستهدف المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي إلى اليمن وحده 13 مليون شخص – بواقع 43 في المائة من السكان.
كما هددت الحرب الروسية الأوكرانية استمرار تدفق المساعدات، حيث تشمل المساعدات المنتجات المصنعة مثل دقيق القمح المدعم والأذية التكميلية الجاهزة للاستخدام التي يتم الحصول عليها غالبًا من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى (مصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا) – والتي بدورها تستورد القمح من أوكرانيا وروسيا (رسم توضيحي 4). وتزداد الشكوك أيضًا حول استمرار التمويل الدولي للحفاظ على المستويات الحالية من الدعم في ظل الأزمة اليمنية، وظهور التحديات العالمية ذات الأولوية مثل الاستجابات المحلية لفيروس كوفيد-19وأزمة اللاجئين في أوكرانيا. خلال الفعالية الأخيرة رفيعة المستوى لإعلان التبرعات في 17 مارس/آذار، خفضت الجهات المانحة الالتزامات التي قدمتها خلال 2021 بنسبة 30 في المائة، على الرغم من الطلب المتزايد للمساعدات نتيجة ارتفاع الاحتياجات المتوقعة الناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وظهور خطر المجاعة.
الاستجابة المحتملة لمشكلة اليمن
بالنظر إلى خطورة هذه المشاكل، ما الدور أن يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي لتخفيف الضغط المتزايد على الأسر اليمنية نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود؟
من طرق الاستجابة لهذه الأزمة، زيادة استخدام التحويلات النقدية والقسائم، حيث تعتبر هذه الطريقة أكثر فعالية من حيث التكلفة من التوزيع العيني للأغذية. وتبلغ التكاليف العامة والإدارية المبلغ عنها 77 في المائة للتوزيع العيني مقابل 11 في مائة 17٪ للتوزيع النقدي وتوزيع القسائم. ويستفيد هذا النهج أيضًا من تجارة القمح المحلية القوية، والتي لعبت دورًا فعالا في التكيف مع بيئة الصراع. بالإضافة إلى ذلك، تبين من الأبحاث التي أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ومنظمات أخرى أن التحويلات النقدية تسمح للأسر بزيادة استهلاك المواد الغذائية غير الأساسية، وهذا الأمر فعالا في حماية الأطفال من سوء التغذية.
ومن الأمور التي تجعل تنفيذ هذا النهج صعبًا، الحفاظ على قيمة التحويلات النقدية في ظل ارتفاع معدلات التضخم. وعلى الرغم من استقرار سعر الصرف الرسمي عند 250 ريالاً للدولار، إلا أن سعر الصرف الموازي وصل إلى ما يقرب من 1200 ريالاً للدولار، ولوحظ معدل مرتفع للتقلبات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا في اليمن. إن ربط قيم التحويل بأسعار سلة الأغذية أو استخدام العملة الصعبة كوسيلة للتحويل هي بدائل تستخدم في سياقات مماثلة في بلدان أخرى.
أخيرًا، يجب ألا تغفل طرق الاستجابة للمشكلات التي ستنجم عن حالة الطوارئ الحالية على المدى البعيد، حيث يُسلط تعرض اليمن لصدمة قلة السلع الضوء على أهمية نهج الربط بين العمل الإنساني والإنمائي. وينبغي أن تركز المنظمات أيضًا على وضع نُهج الصمود في أوقات النزاعات على الإنتاج الزراعي المحلي بتوفير الحماية من الصدمات المتوقعة لإمدادات الوقود والاضطرابات في نقله لمسافات طويلة. تشمل الأمثلة على مثل هذه المشروعات الزراعية التي تتمكن من الصمود أمام النزاع في اليمن الري بالتنقيط وتجديد الأنظمة التقليدية للري بالغمر وأنظمة المدرجات الزراعية، والمحاصيل الأقل اعتمادًا على الري والموجهة إلى الأسواق المحلية بدلاً من تصديرها، وأنظمة الضخ التي تعمل بالطاقة الشمسية.
يعتبر دمج عناصر بناء القدرة على الصمود والتنمية الاقتصادية في الدعم الدولي لليمن خطوة مهمة، ولكن في النهاية، لن تتاح للشعب اليمني فرصة الازدهار التي حظيت بها “الجزيرة العربية السعيدة” مرة أخرى إلا إذا بذلت أطراف النزاع الرئيسية المزيد من الجهود لإنهاء الحرب الأهلية.
انظر الرسوم البيانية في الترجمة الإنجليزية